زوار مدونتي الكرام..
* تمّ إغلاق المدونة، وإيقاف إمكانية التعليق على التدوينات..

** كذلك أحببت التنويه إلى إمكانية التحكم في المقطع الصوتي وإيقافه إن أحببتم عن طريق الآيقونة في آخر الصفحة..
وفقيرة أبقى لدعائكم

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

كِسرَةُ عُمر..



جاء إلينا ملقيًا التحية بلطف، وقال : يا أبنتي الله يعطيك العافية، باب دورة المياه في غرفة الإنتظار مغلق، وزوجتي تريد الدخول، فممكن تساعدينا رجاءا..
قلت له : نعم يا أبي..أسترح سأرى ما المشكلة لا تقلق..
وذهبت لغرفة إنتظار النساء التي لم يكن بها أحد سوى زوجة ذلك الرجل، وطلبت من عامل النظافة أن يرى مشكلة الباب، فقام بمعالجته وفتحه..
كان الرجل واقفا عند باب غرفة الإنتظار، وزوجته تقول له: خلص هلأ بيفتحوا الباب، أرتاح أنتا..
وهو يرد عليها: دقيقة بس ليفتحوه وبروح..
فتح الباب، وعدت لمكاني، وذهب الرجل ليجلس على المقاعد الموجودة في الممر والمخصصة لإنتظار الرجال..
كان ذلك يصادف وقت الإستراحة عندنا والذي يمتد لساعة ونصف تقريبا، فذهبت للصلاة والإستراحة، ثم عدت لأجد ذلك الرجل يجلس على مقعد متحرك، قد جاء به من الطواريء إذ لا تتوفر الكراسي إلا هناك، والمسافة من العيادات الخارجية حيث نحن وحتى الطواريء مع رحلة البحث وطلب الكرسي..تحتاج في أقل تقدير لنصف ساعة ، لذا فهمت أنه يود بجلوسه عليه حجزه لئلا يأتي أحد من العاملين لأخذه.
كنت قد رأيت هذا الرجل عند مروره أمام غرفتنا صباح هذا اليوم مع زوجته، لأنني أعرفهما من كثرة التردد على المستشفى للمراجعة، وإن كنت لا أعلم أي العيادات يراجعون، إلا أنهما يأتيان دائما، حتى حفظنا شكلهما، وأظن أنهما في هذا اليوم جاءا منذ العاشرة على أقل تقدير، وهاهي الساعة الآن تسير نحو الثانية ظهرا وهما لا يزالان متواجدين، ولم ينتهيا من مراجعتهما؟
أنشغلت بعدها بعملي، وعند قرابة الثالثة إلا ربعا..خرجت قاصدة أحدى العيادات لأنجز عملا ما..
عند عودتي..أستوقفني منظرٌ في نظري وجدته مؤثرا جدا..
لقد وجدت ذلك الرجل يسند زوجته بعد خروجها من عيادة غيار القدم السكرية (Diabetic foot ) ويجلسها على ذلك الكرسي المتحرك، ثم يبذل جهده كله في دفعها  ويحث المسير خارجا..
نسيت أن أخبركم أن ذلك الرجل كان تقريبا في أواسط الستينات من العمر، قد غطى الشيب رأسه، محدودب الظهر قليلا، يمشي ببطء يشي بأن الروماتيزم ينخر في عظامه، وأن ظهره ذاك أنّ من وطأة السنين..
وأن زوجته العجوز نحيلة جدا، قد ذوى جسدها من المرض..ومع ذلك كان دفعها على ذلك الكرسي بالنسبة إليه شاقا، وكان يجرّ قدميه جرّا أثناء المسير..
وأنهما يبدو لا أولاد لهم، فلم أرى معهما أحدا يوما رغم كثرة المراجعات..
وأنني كنت أرى صورة نادرة من الوفاء وإقتسامٌ لكِسرةِ العمر، هزتني من الأعماق، وأرغمت دمعي على الهطول!

دعائكم..فكم أفتقر إليه

الجمعة، 17 فبراير 2012

أَوَ تذكُر؟!


تدوينة تتطلب طقساً خاصاً عند قرآءاتها..أطفئوا الأضواء..أخرسوا الأصوات..إضغطوا على زر تشغيل مقطع الفيديو أعلاه..ثم لا تنسوا أن تأخذوا بيدي علّكم تكونون لي ذات يوم شفعاء..
________________________________

فور تخرجي من الجامعة كنت واحدة من ست طالباتٍ أرسلتهم الجامعة للتدريب كفنيي مختبر طبي في إحدى المستشفيات الحكومية، طبعا هذه المعلومة ربما ليست جديدة على المتابعين للمدونة لكن ذكرتها لأحكي لكم موقفا تعرضت له آنذاك لم ولن يمحى من ذاكرتي رغم أني مبتلاة بداء النسيان أعاذكم الله منه!!
كانت زميلاتي الخمسة صديقات من شعبة واحدة، بينما كنت أنا من شعبة مختلفة، لذا كنت الغريبة بينهم..
علاوة على أنني كنت المنقبة الوحيدة في المجموعة ، بينما كنّ من المتهاونات في الحجاب - وهنا لا أقصد فقط مجرد كشف الوجه - وبعضهن متبرجات ولا يتحفظن في الحديث أو الضحك أو التعامل مع الزملاء، لكنهن والشهادة لله كنّ معي في قمة اللطف والتعاون والإحترام رغم إقتصار تواجدي معهن في وقت العمل ورسمية التعامل بيننا، إذ كنت أجنح للوحدة أوقات الفراغ، بينما كنّ يتجمعن في كافتيريا الموظفات معاً..
كانت مدة التدريب قرآبة الثلاثة أشهر، قضيت منها مع زميلاتي قرابة الشهر قبل أن تنظم إلينا زميلة جديدة خريجة كلية التربية، كان ظاهرها مثلي تلبس النقاب، وملتزمة ، لذا كان من الطبيعي أن ننسجم معاً ونشكل ثنائيا نقضي أغلب الوقت معاً منذ بداية الدوام عند الثامنة صباحاً، وحتى نهايته عند قرابة الثالثة عصرا؛ فنتبادل الأحاديث في أمور شتى ، ونمت بيننا ثقة متبادلة وإرتياح وأريحية في التعامل مع تتابع الأيام..
بعد مضي قرابة الشهرين وأسبوع من مدة التدريب، كانت العلاقة قويت بيني وبين زميلتي تلك، وكنّا نتقاسم الوجبة الغذائية معاً، بل وعندما تكون إحدانا لا تملك نقودا لشراء شيء تأكله وقت الراحة لا نتحفظ في الطلب من بعضنا، بل وبدون طلب أصلا كل واحدة لا بد أن تذكر الأخرى إذا أرادت أن تشتري لنفسها شيئا من الأكل أو الشراب، ناهيكم طبعا عن التعاون في مضمار العمل..
في تلك الفترة إنضمت إلى المجموعة فتاة جديدة منقولة من المستشفى العام، وكانت هذه الفتاة مثلنا منقبة، فأصبحنا ثلاثة نجتمع معا ونتواجد معا أثناء وقت الإستراحة..
لكن هذه الفتاة منذ البداية لم نكن أنا وزميلتي مرتاحين لها كثيرا، لأنها جريئة في التحدث عن أمور خادشة إن صح التعبير، وكنا كلما عملنا أنا وزميلتي على تغيير دفة الحديث، لا بد أن تعود إلى ذكر قصص مخجلة لا يجوز ذكرها، علاوة على إشاراتها الدائمة بطريقة مقززة لبعض الأمور، وحديثها الدائم عن علاقة الحب التي تربط إحدى فتيات مجموعتنا مع أحد الموظفين، وأنها رأتهما معا، وخرجا معا ووو ..إلى آخر هذا الكلام السخيف الذي لم يكن يهتم له أحد غيرها!!
منذ البداية كنت وزميلتي واضحتان في عدم قبولنا بهذا النمط مع الأحاديث،لكنها كانت لا تملّ ولا تكلّ، حتى قررت في مطلع الإسبوع التالي لمجيئها عدم أخذ وقت راحة إلا للصلاة ، بينما لم تستطع زميلتي فعل ذلك، لأنها كانت تنحرج منها عندما تلح في الطلب للذهاب لتناول الغداء، وكانت عندما تعود تنقل لي كلام تلك الزميلة وهي مستاءة جدا، فكنت أقول لها إذن أفعلي مثلي، أو قولي لها لا تتكلم في هذه المواضيع، لكنها كانت تظهر تذمرا وعدم جرأة على فعل ذلك، وأنها لن تحرم نفسها من الإستراحة بسبب هذه الفتاة..
في إحدى المرات جاءت زميلتي تلك وهي خائفة وغاضبة في الوقت ذاته، وذكرت لي كلاما مخجلا قالته تلك الفتاة، وأنها باتت تشك أنها غير سوية وتخاف على نفسها من أن تتسب لها بأذى، فكنت أتحدث معها مظهرة طبعا نفوري وإحتقاري لتلك الفتاة ، وقلت لها في معرض الحديث : الله يشفيها..ثم نسيت الأمر تماما..
كان قد بقي أسبوع واحد فقط على نهاية فترة التدريب، وكانت تلك الحادثة حصلت آخر الإسبوع ما قبل الأخير، وفي مطلع الأسبوع الأخير، ذهبت كعادتي كل يوم للمستشفى ، وكان يوما هادئا على غير العادة، ولم أرى زميلتي فيه فخمنت أنها لن تحضر، ثم أنشغلت في العمل تماما..
وعند قرابة منتصف النهار..لم ألتفت إلا وتلك الفتاة واقفة على رأسي في القسم الذي كنت فيه أعمل وحدي في المختبر، لأن زميلاتي كن متوزعات على الأقسام بعد أن أنتهينا منها جميعا ، بحيث أختارت كلا منّا التوجه للقسم الذي تجد أنها تحتاج فيه لتدريب أكثر، فأخترت أنا قسم المايكرو وخصوصا المزارع البكتيرية (  Cultures ) والذي لم أقض فيه وقتا كافيا كبقية الزميلات اللاتي أمضين فيه شهرا كاملا تقريبا..
كانت عينا تلك الفتاة تقدح شرارا، وما أن رأتني حتى بادرتني بصوت مرتفع : إذا أنتي تظني نفسك إنك شيء تراك ولا حاجة، أنا أشرف منك ومن اللي جابوك، أنا تقولين عني الله يشفيها، الله لا يشفيك ياقليلة الأدب والله لأفضحك وأعرّف الكلّ حقيقتك، أنتي مين إنتي تتكلمي عليّ وكمان تقولي عن فلانة ( إحدى الموظفات) إش فيها غايبة لها كم يوم، وحتى فلان ( آخر من الموظفين) غايب كمان يعني بتلمحي على أيش حضرتك..
ألجمتني الدهشة والصدمة، وحاولت الدفاع عن نفسي فقلت لها : نعم؟؟!! ومتى تكلمت عنك؟ ثم أنني كنت اسأل عن تلك الزميلة بشكل عادي لأنها كانت تشرف على تدريبي، وأنتهي من عندها لأذهب للتدريب عند الزميل الآخر، فلما فوجئت بغيابهما تعطل تدريبي وتسآءلت من باب الأسف على ضياع يومي بدون فائدة!!
إذ ذاك برزت زميلتي من ورائها ، وقالت لي : لا يافلانة، أنتي قلتِ عنها الله يشفيها لا تنكرين كلامك، وكمان كان كلامها ما يعجبك وكنت تقولين لي لا تجلسين معها!!
طبعا أنا في تلك اللحظة لم أعد أميز السماء من الأرض، وتمادت تلك الفتاة في التطاول وأخذت تقول بصوت مرتفع : أنا اللي ما يشرفني أجلس معك، وحده مريضة وتفكر كل الناس زيها، أنا راح أدفعك ثمن كلامك هذا غالي، أنتي حيّا الله متدربة ، فوقي لنفسك، أنتي مين عشان تطلعين سمعة على الموظفات !!!
طبعا كان من الواضح أنها بذلك الكلام والصوت المرتفع كانت تريد إجتماع الموظفات والموظفين حولنا ليتم لها ماتريد، لكن الله خيب سعيها، فبحمد الله كان القسم شبه فارغ، كما أنني قمت سريعا وخرجت من المكان ، ولعناتها وتوعداتها تلاحقني!!
خرجت والصدمة تجتاحني،والأرض تتزلزل تحت قدمي لقد تلقيت للتو صفعة من زميلتي التي أمضيت معها شهرين نأكل من طبق واحد، وكنت أتحدث معها بأريحية، لأجد أن ذات النقاب هذه ليست سوى إنسانة مخادعة ذات وجهين عديمة الضمير، كانت تريد لي الفضيحة، وكانت تنقل للأخرى مايدور بيننا من حديث تظهره بمظهر أنني المبادرة إليه، وأنني دائما ألوك سيرة الأخرى على لساني، في الوقت الذي كانت تنقل لي كلامها وقصصها البذيئة مظهرة الإستياء منها!!
كانت صفعة مؤلمة جدا ، وأذكر أنني بكيت طويلا، وشعرت بحريق في صدري من تلك الخيانة بل وتلفيق التهم، وسلبت مني القدرة على الوثوق بالآخرين مطلقا، وآثار هذا الجرح بقيت تلازمني لفترة ، وكان الدرس قاسيا جدا بالنسبة لي!
تخيلت هذا الموقف ومرارته، وسوء حالتي فيه، ومشاعري حينها المختلطة بين الألم والفجأة والخوف والذهول والمرارة والخيبة والسقوط من شاهق ، بينما كنت أشاهد حلقة من مسلسل الملكوت على اليوتيوب يظهر فيها البطل في مكان بلا ملامح وصوتٌ يدوّي حوله بالسؤال : أتذكُرُ ما فعلته عندما كنت شاباً !!
هذا المسلسل يحكي قصة رجل مات دماغيا، ويصور مسيرته في عالم البرزخ..(  يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا )
ذلك الرجل..كان كذلك ناسيا تماما جنايته تلك في دار الدنيا !!!
ووجدت بين جنبّي كذلك دوّياً عالياً لهذا السؤال:

ترى..غدا كيف سيكون حالي عندما يأتيني السؤال بـ: أَوَ تذكر؟؟!!

( آهٍ اِنْ اَنَاْ قَرَأتُ في الصُّحُفِ سَيِّئَةً اَنَاْ ناسيها وَ اَنْتَ مُحْصيها فَتُقُولُ خُذُوهُ فَيالَهُ مِنْ مَأخُوذٍ لا تُنْجيهِ عَشيرَتُهُ وَ لا تَنْفَعُهُ قَبيلَتُهُ  )
إلهي العفو..
دعائكم..فكم أفتقر إليه