زوار مدونتي الكرام..
* تمّ إغلاق المدونة، وإيقاف إمكانية التعليق على التدوينات..

** كذلك أحببت التنويه إلى إمكانية التحكم في المقطع الصوتي وإيقافه إن أحببتم عن طريق الآيقونة في آخر الصفحة..
وفقيرة أبقى لدعائكم

الجمعة، 30 يوليو 2010

وتَهَادى الجِدَارْ..



أسرعوا لقد سقط الجدار...
هكذا هتف أخي فَرِحَاً..وتراكضنا لنتجهز للخروج..
ركبنا السيارة ، وفي صدورنا قلوبٌ تَجهدُ في المكثِ بين جنباتنا، وقد أعيّتها رَعشاتُ الشوقُ وأمضّ بها الحنين...
أحقاً سنراك بعد كل هذه السنين؟!!
أحقاً هذا الذي يتراقص بين أضلعنا هو لهفة اللقاء؟؟!وتلك التي تنحدر من آماقنا دموعٌ تتسارع لتوثق تفاصيله؟؟!!
وصلنا..حيث تهاوى جدارٌ كان يفصلنا عنك..
يا الله!!!!!
كيف تصرمت في البعد عنك..سنونٌ خمس؟؟!!
آه لو يعلم هذا الجدار، كم وددنا تقبيل ذراته،إمتناناً لما منحناه من فرصةٍ نادرةٍ بإستسلامه للسقوط..
تطاولت أعناقنا لتنظر إلى حيث أشار أخي قائلا..ها هو ذا هناك..
في ظلمة الليل بصعوبة تبينّاه..وحدقنا فيه ملياً..ملياًً..
كم تمنينا أن نُودِعَهُ أحداقنا ..لكننا خشينا عليه أن يغرق مثلها في طوفان الدمع..
دقائق فقط..ثم مضينا مسرعين ولمّا نشتفي من هنيهات اللقاء..فلم نكن نستطيع المكثَّ أكثر لئلا ترصدنا أعينُ المتلصصين..
تحركت السيارة..متباعدة بأجسادنا عنك من جديد..لكن روحي أبت إلا البقاء بقربك لتخبرك الكثير..
آهٍ..آه.. 
أَوَ تعلم كم أشتقتُ إليك؟؟
أَوَ تعلم كمّ حرّقني صقيع الحرمان من دفء أحضانك؟؟!
أتراك تسمع شهقاتي المحبوسة في صدري؟!!
وجهي الذي طالما أشفَقتَ عليه منْ حرارةِ دمعةٍ تنحدرُ على وجنتيه، فَكنتَ سرعان ما تعاجلُ بمسحها قبل النزول، هل تعرّفته بعد أن رسمّ دمع فراقك ملامحه من جديد؟؟!! 
هل علمتَ أن قرآن السَحَرِ..حَمّل ساعاته صوت تراتيلك..فباتت في كل ليلة من بعدك مؤنسي؟
أَتَذكرُ ..الصباحات التي كانت اشراقةُ شمسها تجمعني بك..فنذهب سويا إلى المخبز القريب، وننتظر سوياً أمام التَنور نضوج خُبزنا، ورائحته التي تلهب الجوع في أحشائنا..فنتلقفهُ من الخباز غير عابئين بحرارته، ونسارع إلى المنزل، لنجتمع على مائدتنا الصغيرة تلك، ونتذوق ألذّ خبزٍ..حافٍ؟؟!
ضحكاتك كان نكهة ذلك الخبز، وقصصك التي كنت لا تملَُ تكرارها على مسامعنا كانت إدامه ولذته..
غادرتني بعدك الصباحات..
أتذكرُ الأشعار التي كنت ترددها على مسمعي؟!
أيام راحت..وجات أيام           وأيام فيها الحموضية
اليوم نبكي زمان العام            والدايره نبكي على ذيّه..(1)
وتلك التي كنت تعاتبني بها عندما أقابل وصلك بالصدود:
ما أقساك يا حبيّبِي ما أقساك      وأنا على الصبرّ ما أقواني؟!!
كــم ليلةٍ بتّــها فـــ رجـــواك       سهران ...والنوم ما جاني (2)
وأبيات أبو العتاهية التي وإن لم تكن ناظمها..لكنك كنت دائماً متمثلها:
تواضع تكن كالنجم..لاح لناظرٍ       على طبقات الماء وهو رفيعُ
ولا تكُ كالــدخان يعـلو بنفسه       على طبقات الجو..وهو وضيعُ
ومساءاتُ المذياع، ونشرةُ الأخبار، ووجهكُ المنقبض تارةً، والمنبسط أخرى..وإلتفاتك إليّ بعدها لتقول لتلك الطفلة الماكثةِ بجوراك فاغرة الفاه، وقد نطق وجهها بسأمِ عدم الفهم:
إذا الشعبٌ يوماً أراد الحياة     فلا بدّ أن يستجيب القدر
أتراك تذكرُ كيف كنت تَستَمعُ إليّ عندما أقرأ لك خربشات قلمي الذي علَمتَهُ أنت منطقِ الحروف؟
فكنت تصغي بكل جارحة وجانحة.. وتحتفي بي كملكةٍ متوجةٍ على عرشِ الكتابة،رغم أنني لم أكنّ أتقنُ أبسط الإبجديات!!
وسجادتُك..أَتذكُرها؟؟
أتذكرُ كيف أِسوَدَّ منها موضع سجودك؟؟!!
كنتُ أنظر إليها متعجبةً..من ذلك السواد؟!!
يوماً ما لم أرك مطيلاً سجودًا، ما خلا سجود فرائضك...لكن ذلك السواد الذي نَبَتَ بعد ذلك على إستحياءٍ بين عينيك، نُقِشَ في ذاكرتي، لأفهم بعد حينٍ أنه ما كان إلا..وَسَماً لصبابةً..عزّ فهمها على الكثيرين؟!
أَتَراكَ تَذكرُ..(لاعاش قلبي) (3)؟؟!
تلك الرواية التي جعلتها هدية نجاحي في المرحلة الثانوية، كعادتك في إهدائي الكتب عند كل نجاح..
وغريتل وأخوها في قصة (طريق الغابة) (4) التي أهديتني إياها يوم نجاحي في الصف الأول الإبتدائي..وكانت تحكي عن ضياعهما في الغابة ، وكيف أستدلا  بعد ذلك الطريق إلى منزلهم، وعادا لأحضان أبيهما؟؟
أبي..
مالي أذن لم أكن مثلها.. وأضعت الطريق؟؟!
مالِ قلبي..أستطاع عيشاً..وقد حال بيني وبينك ..صمتُ هذه القبور؟؟!
شكرا ...جدار المقبرة.

( رحم الله من تفضل بإهداء والدي وأموات المؤمنين والمؤمنات..ثواب المباركة الفاتحة قبلها صلوات)

( في السنة الحادية عشرة بعد الرحيل..وقد سألني كريمٌ، أن أسطر له من أيامك شذرات..)
______________________________________________
(1) أبياتٌ من الشعر النبطي تبين أن الأيام دائرة ولا تبقى على حال، وأننا اليوم نبكي ، وفي غدٍ.. سنبكي يومنا هذا..
(2) أبياتٌ أيضا من الشعر النبطي، يعاتب فيها المحبّ حبيبه الذي جفاه، ويستعظم صبره على فراقه، ويشكو إليه تسهد ليله في بعده..
(3) ( لاعاش قلبي) روايةٌ للقاصة السعودية أمل شطا.
(4) (طريق الغابة) أحدى قصص سلسلة الحكايات المحبوبة الشهيرة للأطفال.