زوار مدونتي الكرام..
* تمّ إغلاق المدونة، وإيقاف إمكانية التعليق على التدوينات..

** كذلك أحببت التنويه إلى إمكانية التحكم في المقطع الصوتي وإيقافه إن أحببتم عن طريق الآيقونة في آخر الصفحة..
وفقيرة أبقى لدعائكم

الاثنين، 27 يونيو 2011

وجع الغُربــة..


للغرباء..على جسر العمر
للذين ضاقت بهم ظلم مطامير الذنوب، وأثقلتهم قيود المعاصي..
للشاخصة أبصارهم نحو يوم الخلاص..وقد بلغت أرواحهم التراقي..
أودعوا أحزانكم موسى بن جعفر، وأسكبوها دموعا في سجدة طويلة..
فمن كموسى؟ 
من كموسى؟ 
عظم الله لكم الأجر في مصابنا بإمامنا المسموم المظلوم..موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
دعائكم..علّ إنعتاقا يطال هذه الروح التي أدماها ثقل القيود

السبت، 25 يونيو 2011

وشـــمّ..


كان الوشم المحفور على ظاهر يدّ العامل النيبالي واضحا للعيان منذ أن رأيناه أول مرة في قسم الملفات عند إلتحاقنا بالعمل في المستشفى قبل سنة، لم أكن أعلم أنه نيباليا أول الأمر بل ظننته إندونيسيا أو ماليزيا ، كما لم أكترث كثيرا لضيق حدود تعاملي معه من الأساس، لكن بعد أن علمت أنه نيبالي وَثَني بدأت أتحذر كثيرا عندما أضطر للتعامل معه خشية أن يمسك بيدٍ رطبة مثلا أحد الملفات ويناولني إياها، أو يلمس بها الطاولة أو يدّ الكرسي..
وكنت إذا سنحت لي فرصة حين غفلته؛ اتأمل في خطوط ذاك الوشم بفضول لعلّني أتوصل لشيء من دلالته، وحدست حينها أنه ذو دلالة دينية عنده..
كان العامل النيبالي مخلصا جدا ومتفانيا في عمّله وخلوقا رغم كونه مجرد مراسل وعامل نظافة بسيط..
تعليمه كذلك كان بسيطا كما هو أجره الذي لا يزيد عن ستّ مائة ريال شهرياً، في قبال ساعاتِ عملٍ تمتد لنصف يوم كامل من شروق شمسه وحتى غروبها، ومن السبت حتى الخميس ،لا يحق له الراحة فيها أكثر من نصف ساعة يأخذها بعد لأي..
ومع ذلك لم يكلّ يوما، ولم يتذمر يوما، بل وكانت البسمة لا تفارق محياه، ولعلّه في بعض الأحيان كان يتعرض للعقوبة والخصم لأن الجوع قرص زميلتي فبعثت به للبوفية التي على مدخل المستشفى ليأتي لها بطعام الإفطار في وقت العمل؛ ليستقبل الموقف بضحكته المعهودة ويأتي ليخبرها أن فلانا أخذ منه الـ ( ID) خاصته، ويتركها محتارةً في سبيل الحلّ قلقةً على ما سيناله من عقاب لا يحمل له هو همّاً..
كم تبادلت وزميلتي الحديث عنه وعمّا يقاسيه من ذل الغربة ومرارتها، ورغم ذلك يجد سببا للإبتسام وحافزا ليواظب على الحضور يوميا ليعمل بكلّ همّة ونشاط ويتميز عن بقية العاملين حتى من المسلمين..
لم أستطع إلاّ أن أكنّ له إحتراما كبيراً، وأتحسر مع زميلتي على عقيدته الوثنية، وكم تحدثنا أكثر من مرةٍ  إلى رؤسائنا في العمل في إقتراح منحه جائزة العامل المثالي..
زميلتي في العمل من الطائفة السنية، ومن ذوات الإلتزام الديني، لذا كانت لا توفر فرصة بين فترة وأخرى لتلقي بحديث من هنا أو هناك بمناسبة أو دون مناسبة على مسمع من ذلك العامل عن الدين والله جلّ وعلاّ والإسلام، لكن حركاتها كانت مكشوفة بالنسبة إليه، فيتلقاها بإبتسامته المعهودة ثم يمضي..
في الأسبوع الماضي..كسرت زميلتي حاجز التردد، وتحينت فرصة وصول العامل النيبالي وأحد العمال المسلمين من الجنسية البنغالية لتتوجه إليه بسؤال أرادته محرجا قائلة:
تيك..ماهذا الوشم على يدك؟
تبسم بصمت كعادته، بينما عاجلها المسلم بالجواب : هذا ( الله) مال هوَ، أحنا ( الله) في السماء، وهو ( الله) مال هوَ معاه!
اتسعت إبتسامة العامل النيبالي ولمعت عيناه بفخر وهو يقول: نعم أنا إلهي  حيثما كنت معي..
غصصتُ بريقي..و قد أحرجني هذا الجواب!
الآن فقط فهمت سرّ تميزه الدائم..
لقد وعى رغم ضلاله ، ما غفلنا عنه نحن رغم إسلامنا!!

( وإعلم أنك لن تخلو من عين الله..فأنظر كيف تكون)

السبت، 18 يونيو 2011

جُـحــُودْ!!..


أخذت وصفة دواء زميلتي في العمل، وقصدت الصيدلية لأصرفها لها..
كعادتها صالة المستشفى كانت مكتظة بالمراجعين..
لاحظت عند مروري بها وجود رئيسة التمريض وممرضة أخرى معها..
وما أن مررتُ بجوارها..إلا وسحبتني من يدي لتقول لي أنتبهي؟!!..
نظرت وإذ قطرات دم تغطي الأرض تمتدّ من تحت قدمي رجل طاعن في السن قد غطت وجهه علامات الذهول والإنكسار والضعف..في حين يجاهد ابنه في رفعه ليجلسه على الكرسي المتحرك..
صرفت الدواء، وعدت إلى مكتبي..وصورة هذا المُسنّ لم تبرح خيالي!!
ورغم أنني أرى يوميا حالاتٍ لم تخطر لي من قبل على بال..إلا أن حالته تلك وشدة ضعفه ونظرة الإنكسار في عينيه..اسالت دمعي ولا تزال..
بقي فكري حائراً متسآئلا..ترى..بأي إستحقاقٍ لم أكن مكانه؟
بأي إستحقاق لم أكن زميلتي المسيحية؟
بأي إستحقاق لم أكن تلك الزميلة المسلمة..لكنها سافرة وتوزع الإبتسامات في جميع الإتجاهات وتجلجل ضحكاتها في كل مكان؟
بأي إستحقاق عوفيت؟
بأي إستحقاق سُتِرت؟
بأي إستحقاق عُرّفتُ: ( فَأسْألُ اللهَ الّذِي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني البَراءَةَ مِنْ أعْدائِكُمْ)
بأي إستحقاق نَطقتُ بإسم  الحسين؟
وبأي إستحقاق رددت مع عليّ عليه السلام : ( ما قَطَعتُ رَجائي مِنكَ وَما صَرَفتُ تَأميلي لِلعَفوِ عَنكَ، وَلا خَرَجَ حُبُّكَ مِن قَلبي)؟
من أنا؟
ماذا أعطيت؟
لماذا أعطيت؟
هل لهذا من تفسير إلا أنه لي ربّ أعجز عن تصور أقل مقدار رحمته!!
ربٌّ يتحبب إليّ..رغم تبغضي إليه؟
ويحلم عني..مع جرأتي عليه؟

( يا عيسى..كم أطيل النظر، وأحسن الطلب..والقوم لا يرجعون)
.
.
ليتني متّ قبل هذا ..وكنت نسيًا منسيا..
______________________________

( إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ  )

الأربعاء، 15 يونيو 2011

ملامح نقش ..




مرت الأيام..

وها أنا ذا أنقش على جدار العمر..

زدت في أعوام عمر البعد.. عام!!
________________________________

أرعش النبض حنايا جسدها الملقى في سكون تلك الخرابات..
فتحت عينيها رويدا رويدا..تريد تبين ملامح المكان..
قامت تترنح من أثر طول الغيبوبة..
أجالت نظرات خرساء بلهاء..
أين أنا؟
مالذي جاء بي إلى هنا؟!
بدأت تستعيد شيئا من وعيها..
زكمت أنفها رائحة النتن!..
تلفت يمينا وشمالا تبحث عن سبيل للفرار..
ترآءى لها موطيء أقدام ..كأنما سبقتها في الخلاص..
تحاملت على آلامها..وجرجرت أقدامها على آثار ذاك المسير..
سارت بضع خطوات..فوجدت وردةٌ حمراء زاكية العبير..
أنثنت عليها وقد أنتعشت روحها لمرأى ذاك الجمال..
أستنشقت عبيرها الآخاذ..فشعرت ببردٍ يسري بين أوصالها..
رفعت رأسها..وعزمت على إستئناف المسير..
سارت تتبع تلك الخطوات ..حاملة بين كفيها وردتها الحمراء..تتأملها تارة..تشمها تارة..تضمها تارة..
بددت تلك الوردة شيئا من الألم وشعور الغربة التي كان يلف روحها..
كانت تمشي ولا تشعر بمقدار المسافة التي قطعتها لأن وردتها الحمراء تلك كانت أنسها الذي طوى سويعات سيرها دونما شعور..
فجأة..لاح لها جدولٌ يجري على مرمى البصر..
سلب لبّها خرير ماءه، ولمعة صفاءه..شعرت بسريان الروح في بدنها لمجرد تخيل عذوبة بردّه بين شفتيها الذابلتين..
أندفعت تجري نحوه..ولم تأبه لضعف جسدها ولا كثرة أسقامها..
كان الطريق إليه شائك تملؤه الصخور الحادة..لكن شدة إندفاعها أعمتها عن الإبصار..
أدمت تلك الصخور أقدامها..فلم تأبه لما نالها منها..فلقد أخذ جمال الجدول الرقراق بتلابيب فكرها..وأعماها عمّا سواه..
في خاطرها كانت تتسآءل أحيانا مابال هذه الصخور؟
من الذي زرعها هنا؟
لكنها لم تشغل فكرها بذلك طويلا..فقد كانت تريد الوصول بأسرع ما تستطيع..
فجأة..تعثرت بصخرة كبيرة لم تنتبه لوجودها..
شعرت أن الأرض تتلاشى تحت قدميها!
أنها تهوي!..
أرتطمت بالأرض بقوة..
تقلبت يمينا وشمالا من ألم السقطة..
رفعت طرفها..فأبصرت زرقة السماء فوقها..
تلّفتت حولها..شعرت كأنما سقطت في بئر قديم!..
مدّت يديها تحاول إمساك أي شيء في جدران هذا البئر لتتسلقه علّها تصل إلى الخلاص..
حاولت وحاولت حتى أدمت أصابعها..لكن دون جدوى!
شعرت بالإنهاك..فألقت بجسدها لتستريح..
كان الظلام حولها حالكا..لكنها شيئا فشيئا أخذت تستبين خيالات تتحرك..
أدهشها ذلك..أترى هنا أحد غيري؟؟
نادت..فلم تسمع مجيبا..
ثم أعادت النداء بصوت أرفع..فجاءها الجواب!..
كانت سعيدة جدا بهذا الجواب..فلم تكن وحدها في هذا المكان..
ثم فكرت..وسألت مجيبها هل رأيتم الجدول الرقراق في الأعلى؟
قال..قابلت الكثيرين ممن رآه..
قالت وأين همّ؟
قال : منهم من هوى أسفل مني..وقليلٌ من أستطاع الخروج من هنا ليكمل المسير..
كم كانت دهشتها عظيمة عندما علمت أن ماهي فيه ليس قرار ذلك البئر!..
لكنها شعرت بالإمتنان لكونها لم تهوي فيه حتى قعره..
لزمت الصمت قليلا..ثم واتتها فكرة أملت أن تجد فيها سبيلا للخلاص..
قالت..لما لا أخبر الآخرين بملامح ذلك الجدول..
لم لا أخبرهم بشيء مما رأيت..علّ أحدهم ينجح في الوصول ويستنقذني..
وإن لم ينجح في ذلك أحد..فموتي وأنا أجتهد في الوصول أحبّ إلي من هذا القعود..
رفعت صوتها بالنداء مرة أخرى..
أخذت تحكي وتصف روعة الجدول الرقراق في الإعلى ..
كانت تأتيها أصوات مجيبة من مسافاتٍ مختلفة..لمست في بعضها شوق الخلاص..
سكنت نفسها لوجود من يقاسمها ذات الأمل..
أخذت تحكي وتحكي محاولة أن تستحثهم على المسير..
فجأة..
سمعت صوتا حدست أنه ربما كان معها في ذات المستوى..أو هو أعلى بقليل..
قال لها: لقد كنت هناك..ورأيت ذلك الجدول..وها أنا ذا أحاول الصعود لأبلغه..
كان التعب قد بلغ منها كل مداه..
والآلام تنشر في جسدها بقسوة عجيبة..
وجراحاته تنزف بغير إنقطاع..
تكلمت وكلها توسل إلى مصدر ذلك الصوت..
قالت: ذلك الجدول هو سبب إصطباري على كلّ هذا العناء..
ذلك الجدول هو أملي في الحياة من جديد..
ليس لي عن بلوغه من محيد..
لقد بات هاجسي، وملك عليّ أنفاسي..حتى أراني أعاف في البعد عنه ماسواه..
أيها الصوت ..أرجوك خذ بيدي..
دلّني فقط على ما وجدته من موطيء الأقدام..علّني أبلغ الأسباب..
كانت دموعها تجري بغزارة وهي تستغيث..
إلتفتَ إليها..
نظرَ إلى يديها..
قال لها: لكن على يديك آثار وردةٍ حمراء!
شهقت من تذكر وردتها الحمراء..
لم تشعر متى سقطت من يديها ..ولم تعلّم مالذي حلّ بها؟
أترى داستها في أوج ذهولها لجمال ذلك الجدول؟
ثم تذكرت تلك الخطوات..
وتذكرت أنها غابت عن فكرها تماما..
ولو أنها تنبهت لها..وتبعتها..لربما لم تكن هنا الآن..
قالت بأسى: نعم لقد كانت بين يدي..
لقد أضعتها..كما أضعت الآثار على صفحات ذاك الطريق..
لم يبق لي منها سوى هذه الحمرةُ التي تصبغ كفيّ الواهنين..
أرجوك..أن كنت تعرف سبيل الخلاص..فأرشدني إليه..
أشاح بوجهه عنها..وقال: كلا!
فدهشت من جوابه..وقالت: وما المانع من ذلك، وأني لأظنك أبصرتَ شيئا مما رأيت؟
قال لها: بصراحة..أخشى من آثار جراحك أن نجحت في الخروج..
ربما شغلتك عن إكمال المسير؟
تبسمت في إلم دهشةٍ عميق..
عجبا كيف يغريها أثرٌ عن عين؟!
كيف تزهد في الذي بثّ فيها الروح..لتتعلق بالذي سلبها الوصول إليه؟!!
كيف يملك الآخرين الحكم على النوايا بهذه البساطة؟!!
تكومت على نفسها..
وتأملت في الجدار الذي تتكئ عليه..
وبصمتٍ أخذت تنقش على جدران حبسها ذاك ملامح مسيرها القديم..
فإما إن تتخذ من نتوءات نقشها عونا على الوصول..
أو تموت بقربها هنا..
وتُحَمّلها حكايا مُحبةٍ..ماتت وهي تنقش على جدران العمر..
أشواق اللقاء..
_____________________________________

ربما ترونها إما ساذجة أو موغلة في رمزيتها..وتتسآءلون لأي شيءٍ أعلنت عن ترقبٍ لهذه التدوينة منذ وقت طويل..
أنها قطرةٌ من عُصَارَةُ العُمْر المُعَتّقِ..وقد طَويتُ في هذا اليوم من عمرها سنة تحت سنا عيونكم..بعد سبعة لم أطلع عليها فيها أحدٌ غير من أسلت لأجله هذا المداد..
فيها إختصار كل الحكايا..
فيها إجابة تسآؤل عن سبب الغياب لمن عرفني قبلها..وقرأ لي مشاركاتٍ في أماكن أخرى..هجرتها ولست أرى لعودي إليها من سبيل..
فيها إعتذارٌ ممن أمل أن يجد بين طيتها الكثير..
فبعينكم أبصرتم فاقتي..وعاينتم سقمي..ورأيتم مقدار جهالتي..
وسأتيح لكم منذ اليوم مشاركتي في النقش على جدرانها..شريطة أن يكون النقش مصورا فقط..لآمالكم بالوصول
لذا اسألكم العذر..
ولدعائكم بالخلاص يشتّد بي الفقر..
.
.

وجزيل الشكر لكل من مرّ بي هنا ليمنحني من نبض عمره لحظات..

السبت، 11 يونيو 2011

فن الإصغـــــاء..



تدوينة ذات طقس خاص في قراءتها..تحسسوا سويعات الفجر، أو قبيل الغروب..أنصتوا لشيءٍ من التلاوة..ثم أنطلقوا بالفكر نحو فضاءاتها..

________________________________

من أهم المهارات التي يحرص المختصون على التأكيد عليها في مختلف المجالات هو "فن الإصغاء"، ويقصد به الإستماع الجيد للمتحدث ، وإعطاءه الفرصة كاملة لتوضيح وجهة نظره وبيان أطروحته.
ويزعم المختصون أن المستمعين الجيدين هم أقل عرضة للمشكلات ومسببات التوتر وإرتكاب الأخطاء، لأنهم ينطلقون بردود أفعالهم من فهم كامل وعميق للأمور،وعليه فإذا أردتم حياة أسرية أكثر إستقرارا، أو إدارةً أكثر إنتاجية، أو حتى تحصيلا معرفيا أعمق..فعليكم بالتدرب على مهارة الإستماع الجيد بمفهومها الواسع الذي يشمل الإصغاء لمعاني الكلام سواءا أكان مسموعا أم مقروءا..
تذكرت هذا الكلام في وقت كانت تُلّح على خاطري الرواية الواردة عن المعصوم عليه السلام : ( من أصغى لناطق فقد عبده)، وأستعرضت لذلك صورا وشواهد، فتذكرت أن مهارة الإنصات الجيد كان لها الفضل مثلاً في تنمية ثقة ابن أخي -حفظهما الله- بنفسه، وطلاقة لسانه، ومن ثم تفوقه الدراسي لإيمانه بقدراته، وكذلك تذكرت حالي في بعض المواقف عندما تعرضت للإحراج نتيجة تسرعي في أمر ما، لأنني لم أترك الفرصة لمحدثي ليكمل شق الحديث لأفهم أن القضية أنتهت مثلا..
ولكن من أكثر الصور التي تداعت إلى خيالي وأستوقفتني طويلا هي صورة أحاديث المتحابين، فنحن عندما نحب شخصا ما نندفع في سماعه بكل جوارحنا، وينطبق علينا قول القائل " كأنّه أُذن" أي كأن المستمع من شدة الإصغاء تحول إلى هذه الأذن السمعية فقط ولا شيء آخر، وأستغرقت في خيالي فتذكرت كيف أن الأم -والتي هي من أصدق صور المحبين - تستمع لطفلها بكل جوارحها، حتى أن مجرد مناغاة خفيفة من رضيعها كفيلة بإيقاضها من سباتها العميق في جوف الليل، لتقوم بإطعامه مثلا،أو هدهته، أو حتى تنظيفه، وقد لا تستطيع العودة إلى النوم مرة أخرى؛ متنازلة بكل حُبّ وطيبة خاطر عن راحتها لأجل هذا المخلوق الصغير!!
ودائما ما نلاحظ أن الأمهات يحددون بسهولة نوعية حاجة أطفالهن عند بكائهم في الوقت الذي نجد الأب مثلا؛ يكون قد أستغرق وقتا في إسكات هذا الطفل، وقدم إليه ما يستطيع دون جدوى؟!
هذا الحبّ وهذا الأصغاء والقدرة البشرية الهائلة في مضماره، والتصرف على أساسه طلبا لرضى الحبيب مدعاة حقا للتأمل الطويل..
هذه القدرة المدهشة، والتي تنبع من النفس بدون تكلف بمجرد أن يحبّ أحدنا أمرا بصدق، لماذا تضيع منّا بسهولة ونكابد معها كل عناء..عندما نقف بين يدي ربنا المتعال لأداء الصلوات؟!
لماذا لا نستشعرها عندما نستمع إلى آيات كتابه الكريم؟
هل المشكلة في فن الإصغاء؟
أم أن المشكلة في الحبّ الذي ينبثق عنه الإصغاء، وردّ فعل الإصغاء؟
سؤال برسم إجابة كل واحد منّا..
بالنسبة لي الآن فقط..يلوح لي شيءٌ من معاني : ( من أصغى لناطق فقد عبده)